رغيف خبز وعينان تخجلان القدر في عز الظهيرة
سيجارة تحرق الشفتين فتولعان القلب لؤما على من يقتل الوطن في عز الظهيرة
فردتا حذاء رياضي باليتنان بما يكفي لتصيرا أمتن من أي فردتي حذاء أمني ذي عنق عال
الرجلان طويلتان مثل جذعي نخلتين مغروستين في طين الأرض
الرجلان نحيفتان داخل بنطال رث ,,رث وبال برائحة البؤس والفقر وفقدان الأمل
وها هما تطويان تنزلان الى الارض دون ان تلامساها تأخذان ما يشبه وضعية في كاماستورا
كاماستورا قاتلة
متشبتنان باسفلت أرضية الشارع البارد ذات يوم من شهر يناير
شارع الحبيب بورقيبة
وهم بالمئات ,,بالمئات يركضون ,,,ها هم يأتون ,,يقتربون ,,خيالات رجال في ازياء سوداء وخوذات وعصي
وقنابل تستفز الدموع ,,تستفز الدموع في مقلتيها
والرجل ذو الحذاء الرياضي البالي والبنطال الرث ورغيف الخبز البارد والسيجارة المحشوة بأرخص انواع النيكوتين
صامد غير آبه ,,يزمجر ينطق بكلمات مبهمة غير مفهومة ,,طلاسم وحده يعرف فك رموزها ,,طلاسم لم يلقنها له لا كاهن ولا عراف ,,الرجل ينتظر وصولهم ,,والقدمان ,,آه منهما ,,أي مدرب رياضي مرنهما على هذه الوضعية الجسمانية الرياضية
الرجل متوازن في وضعيته القتالية ,,ورغيف الخبز البارد ’’يسخن ويلتهب,, يسخن ويلتهب ,,دون حاجة الى أي تنور ساخن
وكلما اقترب الرجال في ازيائهم السوداء ,,مثل أسراب الغربان القادمة من السماوات البعيدة
يلتهب الرغيف اكثر واكثر
يتحول الرغيف الى كل السلاح
الرصاص محشو بداخله بما يكفي
حنق كل الوطن ,,وسخط كل الوطن ,,ونفاذ صبر كل الوطن
هيا تقدموا يا رجال
يا اصحاب الاحذية الامنية المتينة ذات الاعناق العالية
يا حاملي العصي المكهربة ,,يا لابسي الخوذات
أين قنابلكم المسيلة للدموع ,,اقذفوا بها الآن ,,فرصتكم الآن
عينا الرجل حامل الرغيف لا تعرفان الدموع والجفنان لا يرفان ,,الدموع سفكت من قبل بما يكفي ,,فما عادت اي قنبلة صهيونية الصنع او اوروبية المنشأ او منتهية الصلوحية منذ سنين
قادرة على إسالة أي دمعة من عيون غير حزينة
الغضب اقوى من الحزن ,,,الغضب مضاد حيوي للخوف ,,الغضب ترسانة لا تقهر ,,الغضب تراكم وتراكم وتراكم في رغيف الخبز البارد فصار رصاصا ينطلق دون موعد مسبق ,,الغضب تراكم وتراكم وتراكم بداخل سيجارة رخيصة تحرق الشفاه التي تعض لحم من يهينها
اقتربوا ايها الرجال ,,لماذا يتأخر وصولكم ؟ اقتربوا ايها الرجال لقد دقت ساعة المواجهة
هل تلقيتم التعليمات ..,,في أي جزء من الجسد نصحوكم بأن تضربوا
على الرأس أم تحت الخصر بقليل ,,فوق الرجولة بقليل أم أسفلها بقليل
إسفلت الشارع البارد شارع الحبيب بورقيبة ,,معقل الملحمة
من هناك كتبت القصة ,,وتغير التاريخ ,,من رغيف الخبز البارد ذاك اليوم انطلق الرصاص في وجوه من يطلق الرصاص على عراة الصدور الماشين نحو حريتهم
من تلك القدمين المتشبثتين باسفلت الارض البارد الرطب ..كتبت ملحمة شعب , شعب أراد الحياة فاستجاب القدر ,,دون تردد
وجد
كلما تصفحت صور الثورة التونسية التي احتفظت بها .. تستوقفني هذه الصورة .. أضل أبحث عن تفسير لهذا الكم من الشجاعة ..
كيف لرجل يبدا عاديا أن يواجها آلة القمع بطم طميمها وفي معقلها بهذه الشجاعة وعدم الاكتراث ؟
ولأنني كثير الفضول .. يعتريني أسف شديد لأنني أجهل هويته وأجهل مآله .. كم أتمنى أن أقابله .. وأن أعرف كيف انتهى هذا الموقف ..
ولكن في المقابل .. أقول لنفسي أن جزءا من جمال هذه الصورة .. ما توحيه لنا من معان كالتي استلهمتها لوحة مفاتيح جهازك .. والتي تضمنتها هذه التدوينة الرائعة ..
شكرا يا وجد وشكرا للذي التقط الصورة وبالطبع شكرا لصاحب السيجارة المتسلح بالخبزة.
هى صورة درامية مطلقة…تكاملت اجزاءها بروابط خفية بصنع ملائكي…
استطعتى ان تخرجى هذا المشهد فى أجمل صوره..ووصفتى اشياء لم يستطع الرجل ذو الرغيف نفسه ان يوصفها بل ظهرت بمحض الصدفه من القهر الذى عاشه ومورس عليه..
حسبى هنا أن اقول لكِ ما قاله ماركيز (” هناك روايات ليست لمن يكتبها … وإنما لمن يعانيها “).
جميلة يا وجد
ah, finally a place I can tie a small comment to.
your heart, the passion of all arabia, lies so raw..
all i can do is wonder and hope,
time and demography are on your side.. and your little fires will out
the world is not going to become easier, but it may become clearer and there should be space and clarity for women like you..
my best, henry