ليست بغيا ….لكنها مصابة بالايدز

لا تخشى فردوس الموت بقدر خشيتها من ان تفقد يوما شعرها . فردوس (ص)مصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة الايدز تماما مثل زوجها -م- وابنتها -ر-
في رحلاتها المكوكية خارج وطنها تونس ,تحمل فردوس معها صورة ابنتها وعقاقيرها المضادة للفيروسات وتتسلح بقدر من رباطة الجأش التي تنفلت منها أحيانا عندما تقدم شهادتها أمام الاعلاميين والاخصائيين وتقول بصوت يخنقه البكاء ” لم أكن يوما بغيا , وزوجي مستقيم, ولكننا مع ذلك مصابان بفيروس نقص المناعة.
حولت فردوس نبأ اصابتها بالايدز من “مصيبة ” الى ” نقطة قوية ” بل والى مورد رزق لتصبح ناشطة في الجمعية التونسية لمقاومة الامراض المنقولة جنسيا والسيدا, ومنشطة في ورشات عمل ينظمها برنامج الامم المتحدة للتنمية في دول الشرق الاوسط.
تحارب فردوس من خلال عملها الجمعياتي ثالوثا يقتل في نظرها مناعة المصابين أكثر من الفيروس نفسه : التمييز ضد حاملي الايدز وحاجز الصمت الذي يحوم حول الاصابة والوصم.
” الوصم يثير غضبي ,,يثير حنقي أن يوصم حاملو فيروس نقص المناعة بانهم عديمو الاخلاق وبأنهم يستحقون الغضب الالهي الذي ينزل عليهم ويفتك بهم “.
لا تنكر فردوس أن خبر اصابتها بالايدز نزل عليها نزول الصاعقة يوم علمت بذلك في سنة 2002 عقب فحوصات أجرتها هي وابنتها الصغيرة .
انتقل اليها الفيروس من زوجها الذي خضع الى عملية جراحية بعد حادث مرور في دولة أوروبية في أواخر الثمانينات . ونقل اليه يومها دون علمه دم ملوث وظهرت عليه أولى علامات الاصابة في التسعينات.
بشعرها الأملس الأسود وسنحتها السمراء تبدو فردوس للناظرين امرأة في الأربعين على قدر من الجمال وفي صحة جيدة. وتقول ان الفضل في ” هذا المظهر الخداع ” يعود الى العقاقير المضادة للفيروسات التي تتناولها منذ سنوات هي زوجها وابنتها. هذه العقاقير تعتبر من أحدث وسائل مهاجمة الفيروس وإن عجزت على قهر المرض والتغلب عليه.
يمر مريض الايدز بفترة حصانة وهي المدة الفاصلة بين حدوث العدوى وبين ظهور الأعراض المؤكدة للمرض, وهي مدة غير معروفة على وجه الدقة ,اذ يبدو أنها تتراوح بين 6 أشهر وعدة سنوات.
وبعد أسابيع من دخول الفيروس للجسم يعاني تقريبا 70 بالمائة من المصابين من توعك وخمول وألم في الحلق وآلام عضلية وتعب وصداع وهي أعراض تعرفها فردوس حق المعرفة.
وتستمر هذه الأعراض لمدة أسبوعن أو ثلاثة ثم تختفي ويدخل المريض في طور الكمون من شهور الى عدة سنوات يتكاثر خلالها الفيروس ويقوم فيها باصابة أكبر كمية ممكنة من خلايا الجهاز المناعة.

عندما يتكاثر الفيروس ستظهر على فردوس أعراض الوهن ومنها فقدان الوزن والشعر . حاليا وبعد سنوات على معرفتها باصابتها تقول فردوس إنها لم ترضخ بعد وان كان هاجس فقدان شعرها يصيبها بالفزع. لذلك تحرص على العناية بمظهرها وبشعرها الجميل بالذات وهو ما يكسبها قوة داخلية ومظهرا صحيا جيدا يجعلها تنسى أحيانا أنها مصابة.
في عملها الجمعياتي الذي أحبته أكثر من عملها الأول في السكرتارية ,, تدافع فردوس عن حقوق المتعايشين مع الايدز وتندد بالوصم الذي يطالهم رافضة الصورة النمطية عن المرض في المخيال الشعبي الساذج الذي يصوره على أنه ” مرض سلوكي ” وأنه يكفي أن تصافح مريضا بالايدز لينقل اليك العدوى وهذا خاطئ.
” أغصبني أن تطرد ابنتي من الفصل في المدرسة في تونس لانها تحمل الفيروس”.
وكانت ابنتها -ر- البالغة من العمر 11 عاما قد أطردت بالفعل قبل سنوات من القسم عندما علمت ادارة المدرسة وأولياء التلاميذ بأن طفلة صغيرة تبدو نشطة في الفصل ومرحة وعادية مثل بقية الاطفال تركض في ساحة المدرسة وتأكل لمجتها وهي تجلس الى جانب رفاقها وهي تحمل فيروس نقص المناعة ,,بنية مصابة بالايدز تجلس على مقاعد الدراسة مع الاطفال ,,سببت حالة فزع لدى الاولياء ولدى اطار التدريس ,,فزع لم يطل الاطفال الذين ظلوا يسألون عن صديقتهم -ر-لماذا ما عادت تأتي الى المدرسة ولماذا لم تشارك في مسرحية آخر السنة التي أعدت لها عاما كاملا.
لكن هذا الوصم لم يبدأ في المدرسة بل انطلق في الوسط العائلي لفردوس نفسها. نبذتها أمها في البداية وكذلك فعلت أختها ..” فقط أبي احتضنني وساندني وبقيت ابنته المدللة والمحببة وانا مصابة ,,لم يتردد لحظة واحدة في ضمي بقوة الى صدره وهو يسمع نبأ اصابتي “.

تتذكر فردوس بشيئ من الحسرة والحنق ايضا كيف فقدت بفقدانها والدها شيئا من المناعة الذي كان يكسبها القوة في مصارعة المرض. تحافظ فردوس على اوقات تناول العقاقير وتلتزم نظاما غذائيا متوازنا يزيد من مناعتها. لكنها لم تنقطع عن التدخين ,” أتوتر أحيانا واحيانا أخرى أكون هادئة والسجائر تساعدني على تجاوز مرحلة التوتر”.
في انتظار دعوة أخرى من الأمم المتحدة لتنشيط ورشة عمل جديدة عن المتعايشين مع الايدز , تواصل فردوس حياتها في تونس بشكل عادي مع زوجها وابنتها ,,ما يقهر الاصابة هو مواصلة الحياة بشكل مرح ,,والمشي طويلا مع ابنتها في احدى المسالك الصحية كل يوم أحد ,,كأن الفيروس لم يوجد قط.

هذا المنشور نشر في الاشياء الصغيرة. حفظ الرابط الثابت.

10 Responses to ليست بغيا ….لكنها مصابة بالايدز

  1. Hebat El-Niel كتب:

    انتي هايله ومع اني بكتب لكن بتعجر كلامتي على الرد على ما تكتبين

  2. Chaden كتب:

    Fight the aids and Keep the Faith t

  3. jamal كتب:

    شكرا على هذا التقرير يعجبني الانسان الصلب الذي يتجاوز كل المحن بإصرار وعزيمة دون الالتفات الى نظرات الناس كل الاحترام لطرحكم هذه القصة

  4. غادة كتب:

    تدوينة مؤثرة يا وجد، وأسلوب جميل..شكراً لكِ

  5. montagga كتب:

    i really cant say a word ,, the tears blocking my way to talk ,,
    i wonder you strong woman,,you are just an example of a superwoman ,,,
    Allah will be with you as always beside ,, just stay as you are,, you aint losing hope,,and you will not however you still have this faith in your heart ,,that your are a person who deserve the best ,,,
    take care and i will pray for you as much as i can and for your lovely family ,,, ,,

  6. laila كتب:

    السلام عليكم
    اختي الكريمة
    معك ليلى أمزير
    صحفية من المغرب أرجو التواصل معك إذا كنت من تونس تحياتي
    lailaamzir@gmail.com

  7. Amal almalki كتب:

    :””) بالصبر تزول المحن وبقوتك وإرادتك ستعيشين وستنعمين بكل شيء حولك بإذن الواحد الأحد
    إمتحان وإختبار لمدى صبرك ،، فكوني قويه كما استشعر ذلك في كلماتك

  8. نوف كتب:

    مع وجود اﻷمل نحيا
    شكرا لمشاركتنا هذا المقال الرائع وغسل أدمغتنا من الجهل الساذج

  9. ferdaous كتب:

    نعمانا فعلا من تونس وهذا اسمى الحقيقى وشكرا لكل من علق على المقال ابنتى الان عمرها سبعة عشرة سنة وتدرس بدون ان تسمح لاى احد لوصمها ثانية والحمد لله وانا كونة جمعية رحمة للمتعاييشين مع الفيروس وهى اول جمعية فى تونس شكرا لكم جميعا وارجو ان اعترض طريقكم متعايش بان تعاملوه معاملة الانسان للانسان فحسب شكرا جزيلا

    • wajd كتب:

      كيف حالك يا فردوس ؟ كنا قد التقينا في القاهرة قبل 5 سنوات في ورشة رويترز والامم المتحدة المتحدة لو تتذكرين , وعدت اتصلت بك بعدها وانا اعد بورتريه لك في احدى تدريباتي خارج تونس , انت سيدة شجاعة أثرت في كثيرا واريد ان اقول لك ان البورتريه الذي كتبته عنك قد حاز التقدير في الخارج , صرت علامة للمقاومة ضد الوصم الذي يطال المتعايشين مع الفيروس .
      تحياتي لأسرتك وابنتك

أضف تعليق