يوم المرأة العالمي

كل عام ونحن نكرر الخطاب ذاته
‏كل عام ونحن نسمع الإجابات ذاتها
‏كل عام ونحن نواصل الحفر بأيادٍ عارية أنفاقًا لا نعلم إن كانت ستأخذنا إلى الخلاص
‏كل عام ونحن ننتظر عائدين من الحرب
‏كل عام ونحن نكتم صبرنا ونحن نودع الذاهبين إلى الحرب
‏كل عام يُشهرون في وجوهنا رجولتهم: وحدهم يقررون عنا

كل عام ونحن نتأمل في صمت ناقصات الأجور مقارنة بالرجال
‏كل عام ونحن نتحدث إلى معنفات: المرة القادمة لن يعنفكن أحد…
‏كل عام ونحن نحصي العاملات في الزراعة القتيلات على الطرقات
‏كل عام ونحن نسمع خطاباتهم الجوفاء وهم يتحدثون عن قدراتنا نحن النساء
‏وحين يحل الظلام ينتهي الكلام

كل عام ونحن نردد: نحن مستقلات ونعود آخر اليوم لنبكي وحدتنا كما يليق بكبريائنا
‏كل عام ونحن ماكثات في هذا الشرق المتغني بالنساء، العاشق لكلمة “عانسات”
‏كل عام ونحن نبرر لماذا لم ننجب ولماذا من حقنا أن نرتاح كما لو أنجبنا
‏كل عام ونحن صامدات أمام التنمر والنفاق الاجتماعي

كل عام ونحن نحتسي الشاي في صمت مطبق ونحن نراقب حقد من يزايد على النساء
‏كل عام ونحن نترفع عن تبرير كيف بلغنا الهرم الوظيفي وبأي كفاح وبعد كم سنة
‏كل عام ونحن نصلي كي لا يصيبنا ما يصيب النساء: سرطان الثدي
‏كل عام ونحن نغزل من خيوط الصبر سجادات لمستقبل لا يعلمه إلا الله

كل عام وهم يسخرون من عيد المرأة ونحن كذلك نسخر من سخريتهم وسخريتهن
‏كل عام ونحن نلقن الأمهات أن المحاباة بين البنت والابن ظلم وقهر يستمران مع الزمن
‏كل عام ونحن نسمع نكاتهم عن دسائس النساء ونبتسم في صمت لأن قصص دسائس الرجال لا تضحك البتة

كل عام ونحن نعمل كما لو كنا قد انتصرنا على ثقافة الذكورية المعششة في أكثر الرجال ادعاء للإيمان بالمساواة.
‏سنظل نكتب ونكتب ونكتب، عن الحب وقيمة الرجل رغم جبال الخذلان المحيطة بنا
‏كل عام ونحن نكرر: اجعلوا من حياتنا أقل قسوة، اتركونا بسلام، لا تدوسوا ما زرعناه بعرق جباهنا الصابرة

نُشِرت في اشياء عربية | أضف تعليق

فيسبوك…التدوين الصحفي والهذيان الشخصي

تغيرت علاقتي بفيسبوك مع مرور السنين، الحقيقة إني عدت إليه مضطرة لدواعٍ مهنية صرفة، وليسشرطاً هنا أن أغني “ما أحلى الرجوع إليه” بصوت نجاة. علاقتي بفيسبوك لم تكن يوماً ودية، اكتشفتهفي السويد وأنا متدربة في جامعة كالمار عام 2006، قدمه لنا الأساتذة وسيلةً للتدوين بعيداً عن أعينرقابة الأنظمة القمعية. وكنت حينذاك قادمة من بلد نظامه قمعي. فتحت حسابا في السويد بمساعدةالأساتذة وكان أحدهم إيرانياً لاجئاً، وأقفلته بعدها بوقت قليل لدواعٍ لنقل متعددة ومتشابكة يتداخل فيهاالمهني بالشخصي والأمني. 

يعتقد كثيرون إني لفرط ابتسامتي أني اجتماعية، الحقيقة إني اجتماعية بحدود ضيقة جداً بل إني مملةورتيبة وكلاسيكية وغير متاحة لا من باب الغرور بل من باب التحفظ. وأقرّ بأني كتومة ولا أحب كثافةالحضور هنا ولا الكشف عن حياتي الشخصية. 

في تويتر أعتبر نفسي في غرفة أخبار وكل من أعرفهم ومن لا أعرفهم علاقتي بهم ودية، بإمكاني أَنأصبح على الجميع، باستثناء الذباب الألكتروني طبعا. 

في الغربة، اقتحمت الظروف حدود خصوصيتي بشكل يشبه السطو المسلح، ويمكن هنا وضع إيموجيضاحكاً إن شئت. في الغربة نصبح مجبرين على الحضور في فيسبوك لأنه وَيَا للهول من نتعايش معهمكلهم في فيسبوك، تقول له مرحبا ويفتح فوراً هاتفه: اعطني فيسبوك بالله. 

تخجل مرة واثنين وبعدها “تعطيه فيسبوك” الذي علاه الغبار. رويداً رويداً نفتح فيسبوك صباحاً لنقل لمنهناك إننا هنا بخير وإننا لم نتغير، ونفكر بهم إلخ. ومع الربيع العربي، اختلطت الأوراق وصار النثرلصيق التدوين الصحفي والهذيان الشخصي. في مرحلة ما لا أذكر بالضبط ملابساتها، نشرت بعضاًمن هذيان نثري وصوري وصور رفاقي هنا، فظن بعض من يتابعني هنا ان باستطاعته أن يرسم قصةحياتي وإيقاعها وأنا مع من بالضبط ومن خاصمت وبمن تعلقت. 

ها هنا اكتشفت أَن من يحشرون أنوفهم في قصص لا تعنيهم في الحقيقة هم لا يعرفون عنا شيئاً علىالإطلاق عدا الواجهة التي نختارها نحن لنوهم بها الآخر أنه يعرف عنا. أليس كذلك ؟ 

لكن هذا الفضاء حقيقي لمن يعرفني جيداً وقابلته ويعرف لون جواربي ونكهة مثلجاتي المفضلة وكم شامةعلى وجهي وكيف أغضب وكيف أفرح، هذا الفضاء أفتح شبابيكه متى أنا أشاء لا متى تُملي عليّ لجاجةأحدهم ويحاول خلع شبابيكي.

حين أكتب عن بحيرة البجع هذا لا يعني أني أضعت فردة حذائي في قصة سابقة وأنتظر منك “أنت الذيلا أعرفه ولا يتعدى كونه شخص افتراضي هنا” أن تبحث عنها وتسلمها لأقرب مركز شرطة أو تشير بهاإلى صديقي “وجدان ضيعت حذاءها”.

إنه لعالم مربك، مفتوح بشكل  ناسف للخصوصية. يبدو مهماً لنا كصحافيين لكن في الباب الذاتي، هومقتحم وقح.  ما قدم لنا في السويد عن فيسبوك عام 2006 كان أشبه بالعمل السري، وكم يبدو هذامضحكا اليوم، فيسبوك نزع عنه ثوب القداسة منذ زمن وما عاد غرفة مغلقة لمن يخاف من النظام. النظامها هنا معنا ولهذا قائمتي هنا محدودة جداً بل تبدو قادمة من عالم آخر.

نُشِرت في اشياء عربية | أضف تعليق

في ذكرى وفاة معلمي سي سالم قربوج

وصلني نبأ وفاته متأخراً: سالم قربوج رئيس التحرير الأسبق في وكالة الأنباء التونسية، رجل عصامي، اختزل بخفةٍ الحرفيةَ والإتقان والتمكن من ناصية اللغة. راوغ بذكاء وحنكة وحكمة كذلك قيود الرقابة في العهد السابق ليكتب لجمهور يقرأ بين السطور. أنا اليوم أبكي أستاذاً تعلمت على يديه ومدينة له بالكثير.

طلبني من قسم السياسة وأنا في العشرين لأعمل على الميدان في قسم الاقتصاد، حيث الريبورتاجات أكثر. كان مجال التحرك في “الاقتصاد السياسي” تلك التسمية التي ابتدعها صحافيون وسياسيون في محاولة لإبعاد عين الرقيب عن التابوهات السياسية. الاقتصاد مكان سليم، أو هكذا صُور في مخيال الحزب الواحد.
لم تكن الوكالة مستقلة، لكن سي سالم علمني أَن أكون مستقلة قدر الممكن، وأن الميدان المدرسة الحقيقية للصحافي بل مكانه الطبيعي وأن الجلوس إلى المكتب هو الاستثناء. علمني الدقة، وأن أقرأ بصوت عال ما أكتب، وأسجل بالصوت حواراتي مع المسؤولين ليكون لدى الصحافي: إثبات حين يتراجع المسؤول لحظة يلومه مسؤول أكبر منه.

التمكن من ناصية اللغة: كانت هذه وصيته الأهم والدقة والسرعة لأننا نعمل في وكالة أنباء، كل ثانية تعني خسارة أو كسبًا. كان يصغي إلى الشباب ولا يتردد في مناداة متدرب ليقرأ له برقية كان هو رئيس التحرير قد كتبها. كان يطلب منا: اقرؤوا لي، هل هذا جيد؟ هل أغير هذه الكلمة؟ هل هذه مفهومة؟ هو الحرص على أن تكون البرقية ناصعة، لا خطأ فيها ولا لغة خشبية رغم خطابات ذلك الزمن المشحونة بالتضخم الحزبي. كان علينا أن نبحث عن مظلة نمارس تحتها الصحافة بقدر أدنى من الأضرار وأن نعود إلى قواعدنا الصحفية سالمين في كل الأحوال. كلامك يرن في رأسي…أنا مدينة لك سي سالم.

‏كان يأتي كل يوم من منزل بوزلفة (ولاية نابل) إلى العاصمة رافضاً الاستقرار بتونس حيث مقر وكالة الأنباء. عناء التنقل بين الولايتين لم يكن مشكلاً بالنسبة له، بطين الأرض كان يدخل المكتب ضاحكاً ليروي لنا كيف قطع أميالا وسط الضيعات تحت المطر قبل أن يمتطي حافلة إلى تونس. كان مكافحاً يحب لقب “الصحافي الفلاح”.

لم أكتب كثيرًا عن تجربتي في وكالة الأنباء التونسية التي تعلمت فيها وأنا مدينة لها، مدينة لمن ساعدني ولمن وضع العصي في الدواليب كذلك لأنه جعلني أكثر دقة وحرصًا ووجهني إلى أن أرفع رأسي وأنظر أبعد: حيث المؤسسات الدولية. سي سالم قربوج كان أستاذي الذي علمني بصبر كبير أن أكون أفضل كل يوم وأن أعتبر العمل الصحافي متعتي الأكبر . تحول الخوف من الخطأ إلى شغف بالدقة، أتينا بالورود إلى المكتب، وضعنا الكثير من الموسيقا: بافاروتي، أم كلثوم، فيروز، بليغ حمدي، ومقطوعات جاز. نعم كنا نخلق جنتنا لنكتب بعد الركض على الميدان. وحين أغتاظ أن اسمي بالنهاية لا يظهر على البرقية فأنا مجرد حروف وإمضائي : وجد على برقية الوكالات، كان يهدئني بالقول: لكن برقيتك جيدة.
لم يتردد في السماح لي ببسط جناحي أكثر، أقترح عليه ويسمعني، كسر قيودا كانت رتيبة في الوكالة ودافع عن الإبداع، عن كتابات كانت تحمل أسماءنا بشكلٍ استثنائي. باختصار علمني أن أخلق من الأرض شوكي قطعةٌ صحفية مبدعة تنافس فرانس برس بل تشتريها فرانس برس من وكالتنا.

بين دمعتين أبتسم الآن، أتذكر كيف كان يهوى جمع فناجين القهوة، وحين يختفي فنجانٍ أحدنا نعرف فورًا أن سي سالم أخذه بل خبأه في خزانته. في آخر يوم له في الوكالة فتح تلك الخزانة (كنا نسميها مغارة علي بابا) ودعانا لنأخذ ما نريد: كتبا ومجلات وفناجين كانت قد اختفت في ظروف غامضة قبل سنوات.

الله يرحمك سي سالم قربوج، أنا مدينة لك بالكثير، من الصبر على التعلم ومراجعة الذات وبالكثير من العلم الذي محوت به مساحات جهلي، والدقة وحب الصحافة رغم شوكها الكثير . خصامنا العابر كان ينتهي بسرعة بهدنة تشبه صلح الأب بابنته. ضحكته ترن في أذني وهو يقول : Alain de loin في لعبة بالكلمات كان يجيدها بخفة. رحل خفيفاً كما يليق بصحافي فلاح، المعرفةُ شغفه والأرض صفاء لروحه. ارقد بسلام يا سي سالم.

نُشِرت في اشياء عربية | أضف تعليق

مجرد حكاية

مثل حليب اندلق على تمثال رخامي، انسكب الحزن على وجهها.

كان يكفي أن يسألوا عنه لتنهمر ملامحها مثل ألوان جُرفت من سطح لوحة. فجأة ذبل الجفنان، انكسرت الأهداب مثل سيوف منسيّة سلّت من غمدها وقد علاها الصدأ، والشق بين الشفتين انفتح عن زفير يكاد لا يسمع، روحها فقط انتبهت لهذا الزفير..
الذكريات تنفتح من شقوق المكان، مثل مياه تتدفق بين الصخور ولا أحد يستطيع منعها، كان يكفي أن يسألوها عنه ليتوقف الزمن فجأة.

هي التي تضع راحة يدها على وجهه كلما عاد، وكأنها تُخرج ملامحه من ذاكرتها وتعيد وضعها بالترتيب على وجهه، تضع راحة يدها على خده وتتأوه، يغمض عينيه ويضغط خده على يدها تأكيداً أنه هنا، بين يديها، تعود إليه ملامح وجهه كلما وضعت يدها عليه. قبل دخوله كان رجلاً دون وجه يقول لنفسه.

لم تفعل الكثير ليفهم أنّه في كل عودة يعيد القصة إلى الحياة، قصته المشوشة والمشوهة لا يعرف كيف يكتبها، لا يعرف من هو إلا لحظة تحضر. دون كلام كانت تضع يدها على خده ثم تحمل رأسه لتحطه على ركبتها وكأنها تحمل رضيعاً إلى سريره، ويحل الصمت لدقائق، يرفع رأسه ويصبح شخصاً آخر.

لغة الصمت بينهما كانت مشحونة بالحكايا، حتى حين يهمّ بالاعتذار تضع إصبعها على فمه وتسكته، لماذا غاب؟ لا تعرف ولا تسأل. تترك الباب موارباً في كل مرة ليعود، يعود باحثاً عن ملامح وجهه على كفّها، تضع يدها فيستعيد ذاكرته، كأن البركات تحلّ عليه، يشم يدها مثل طفل يتعرف على أمه، يلثمها باكياً، يحضن ركبتيها بيده، وحدها تعرف كيف تسمع نشيجه دون أن تقاطعه.

هطوله الموسمي على ركبتيها، مثل سحابة يأتي دون موعد يسقي الأرض ويرحل، حاملاً معه رائحتها.

آخر مرة حمل رائحتها المعجونة بماء الزهر والدموع ولم يعد. بقيت ملامحه على أناملها تنتظر طرقه الخفيف على جدران قلبها في العتمة، لكنه لم يحضر.

من يومها صار الحزن ينسكب على وجهها كلما نطقوا اسمه أمامها.

نُشِرت في اشياء عربية | أضف تعليق

زمن النكسة

زمن النكسة 

في الغرب كانوا يسموني “الشرقية السمراء”  حتى أتيتَ وصنفتني في أقصى الغرب

احتفظتَ لي بلقب السمراء لتفصل بين صنفين من النساء

مُذ عرفتك صار لدي جواز سفر مختوما من سلطات جمهورياتك

مقاسات خاصة بحضرتكم، تأشيرات لكم فقط السلطة الكاملة لمنحها لمن ترضون عنه

جواز سفر… ورقمي؟ ….. لم تمنحني رقماً

ولأني لست شرقية كما تقول فأنا لا أخشاك 

أذكرك فقط بأننا في الغرب الواقع خلفك، نؤمن بأقصى اليسار

لا زلنا ننتخب لمراكز الشيوعية، لا نرسم النكسات بل نتحمل النكسات القادمة من شرقكم يا سيدي

كنا دائما جنودا انكشاريين في جيوشكم، لم نرتزق من الحروب التي أمليتم علينا

حاربنا، نزفنا، سقطت أرجلنا وايدينا، باسم عدو رسمتوه لنا وحشا، حاربنا لأجلكم…وانكسرنا

عدنا خائبين إلى أوطاننا، نمنا عراة وراء قلاعنا…حاربنا وانهزمنا

قذفنا بالحجارة من الأطفال الناقمين علينا

نكسات باسم الشرق وقعنا..،لكن، حين قررتم توقيع الهدنة، أدرتم ظهوركم إلينا 

سرتم إلى “السلام” دون أقدامنا… دون جروحنا

دون أشلاء موتانا…طالبتم برفات الشهداء لديكم

حتى في الموت كنا “شرق وغرب”

موتاكم شهداء…وموتانا هاربون من العدالة

مرتزقة في التصنيف المعتمد لديكم

حين وقعتم الهدنة، صارت العاشقات المتعففات مومسات يطفن في حانات البحر المتوسط

العاشقات في غربنا، ساقطات في أنظار العشائر الحاكمة لديكم

العاشقات في غربنا: رخيصات، جاهلات، كافرات، بلا هويات

هذا تصنيفكم لنا…

يا ويلنا…حاربنا الى جواركم

لكم النصر إذن…ولنا النكسة وحدنا

نُشِرت في اشياء عربية | أضف تعليق

عن الأشياء

عن الأشياء التي لا نستطيع البوح بها , تحيا بداخلنا وترافقنا إلى مثوانا الأخير
عن الأشياء التي نبقى مخلصين لها وأخرى تغرينا خيانتها دون ضمير يعاتبنا أو يؤنبنا
عن الأشياء الصغيرة التي ترافقنا .. نتمسك بها نتأملها ثم نرميها أو ترمينا
عن القبلة الأولى والعواطف الاولى واللمسة الاولى والرعشة الاولى وأمور اخرى لا نسميها
عن الأشياء التي لا نحسن ذكرها ونكتفي بطمرها بدواخلنا ونعود لنبحث عنها حين تبكينا
عن كثبان الرمل التي تمتد بداخلنا مثل صحاري تئد الأحلام في داخلنا ولا ترثينا
عن الأوطان التي نحمل هوياتها ثم تبيعنا بهويات آخرين
عن حبات الملح التي ننثرها وراء ظهورنا ضاحكين آملين ,,وتعود لتنثر نفسها على جروحنا حين نتفرق دامعين
عن الجسور التي أقسمنا أن نعبرها راكضين، لكنا في وسط المسافة نتوقف لاهثين سائمين
عن الهدايا الصغيرة .. مناديل ملونة وقصاصات أشعار وزجاجة عطر وبقعة ضوء تمتد فينا
عن كلمات الحب التي تهمس في آذاننا وتسكن فينا ونظل جائعين الى رائحتها وصوتها كي تصرخ : وأخيرا التقينا
عن الأكاذيب الكثيرة التي اخترعناها مثل احلام الثوار تنسفها خطابات الساسة وبعض المرتزقة فينا
عن النجاحات والانتصارات التي تسلقناها جبالا ثم لقينا حتفنا عند سفوحها بفضل السكاكين المغروسة فينا
عن نبض الأشياء التي تنادي أصحابها , أشياء لا تشترى لكنها أصبحت تباع

عن أفضل ما فينا الذي تبدد أمامنا وتناثر كي نلجأ مجددا إلى غلوّ الأحلام

نُشِرت في اشياء عربية | أضف تعليق

لا أنتٓ اللاجئ ولا أنا المنفية

كنتَ لاجئا
كبلادك
يعْرِفُكَ الجميعُ على الخارطة
كل يوم تعرّف نفسك باسم جديد
وتعتقدها من نوائب الحياة
كنتَ تتدرب في معسكرات ضبط النفس
وتتأمل فساد الروح البشرية
وتسخر من خروج اللاجئين آخر الأسبوع إلى رحلات التخييم
تبقى وحيدًا
تَدَخِرُ حواسَكٓ
وتسمي ذلك بعد نظر
تنتقدُ الشحنات العاطفية
وتسميها دون تشخيص “زائدة”
وتمضي كَجَرَاحٍ لإزالتها
لم تكن يومًا حالمًا
لترى ما وراءَ الأفقِ
وحين أُمْسِكُكَ متلبسًا
تدعي كل مرة أنه
بُعْدُ نظر
…..

كنتُ أناديكَ لتَفْتَحَ لنا الممر
لا أنتَ اللاجئ …ولا أنا المنفية
لا خارطةَ بيننا غير خطوطِ الكفِ
لا وَهْمَ في حضْرَةِ الأيادي المرتعشة
حيث السعادة لا تُرى
مهمومة بعبورها منعرجات الكف.

لا أنت اللاجئ ولا أنَا المنفية
كلُ المدائِنِ لناَ
وكل البحار ملكُنَا
لا أحدَ يعترضنا
غيرُ الأقدار
التي ستنحني لنا
واهبة لنا الطريق
الغِيتُو الإنعِزالِيُ
دُمِرَ
فلا أنت التائه
ولا أنا الريح التي ضيّعتك

دع صراخنا المنكوب بالماضي
يرسم مساءات بلادنا
ولنلقي عبر السماوات
السلام عليه
لعل في قادم الأيام
تعيد لنا الأمواج
سحر إجابته.

هل صدقتني الآن
بأنك لست بلاجئ
ولا أنا منفية!

نُشِرت في اشياء عربية | أضف تعليق

همس الجنون 

التجاوُر اللامتوقع للمشاعر , هل نسميها مشاعر ؟ أم حالات نفسية ؟ الهدوء المُجاور للجنون , والسعادة المُجاورة لكل ما هو كئيب والحرية المندفعة المُجاورة للكبت والعنف الذي يتولد عن القهر. تجاوُر عجيب للمتناقضات في كتلة واحدةتُسمى الانسان.

كنت أحاول ترتيب تلك الحالات واحدة بواحدة بداخلي ووضع الجنون آخرها ,,حتى لا أنساق إليه.

وسوسة الجنون، زفير يطنطن في أذنك وأنت تحتسي فنجان قهوة وتبدو رغم كل شيئ هادئا، لزوم الاتيكيت أنتبدو للكل كائنا هادئا وديعا جميلا.

لا شيئ أقبح من إمرأة مجنونة.

وباسم جمال الجسد قبل جمال الروح , تحاول المرأة في كل نوبة كآبة ألا تُجن ..كم قبيح أن تُجن المرأة. 

إستلقيت في وضع جنيني , ودون أن أنام اعتصرت تلك الوسادة كأنها حزام الأمان ضد الإرتطام بالجنون.

شوووووت 

لا تقولي جنون ..نطق تلك الكلمة يجلب الطالع السيء. 

وتذكرتها , مرت راكضة في عقلي بفستانها الأبيض الطويل حافية القدمين , باقة الورد في يديها , ورد أبيض , لاشيء أسود في تلك الصورة غير شعرها فاحم السواد.

كان قلبها أبيض ..هل كان فعلا؟ 

كان قلبها أبيض مثقوب ..هل نسمي ذلك قلبا أبيض بنقاط سوداء , أم قلب أبيض مثقوب؟

كم كان سهلا أن تُجن ..وشوشة الجنون كانت أشد إغراء من همساته في أذنها .. صوته الشيطاني يروادها عنحبه.وحين يغيب يحضر الجنون. هل تسربت عدوى الجنون منه إليها ؟ 

في أي لحظة فعل ذلك ؟ هل حين توقف عن أخذ عقاقيره المضادة للاكتئاب تسرب اكتئابه إليها ؟

في ذلك الوضع الجنيني , حين أتكوم يفقد ترتيب المشاعر وضعه الأول , كأنها تسقط من فوق رف في مكتبةوتتداخل.

صوت صراخ الأطفال في الخارج كان يتضخم في رأسي , صرت أشعر بوقع أحذيتهم الصغيرة في رأسي وهميركضون , عشرات الأقدام تركض في رأسي ولا أقوى على الصراخ …لا أُريد أن أٌجن

ماذا لو وقفت فوق سريري وشرعت في القفز إلى السقف وأنا أردد صراخ الأطفال في الخارج ؟ هل أجن لو فعلتمثلما يفعلون ؟ ماذا لو إنتعلت حذائي الرياضي وخرجت للشارع وركضت معهم وصرخت كما يصرخون ؟ هل أجنلو فعلت ؟ 

وما يمنعني من أن أفعل ؟

ماذا لو نزعت كل ملابسي ونزلت الى الصالون لأشرب فنجان قهوة مع أمي ؟ هل سأجن لو فعلت ؟ هل ستخافمني أمي ؟ 

ماذا لو أخرجت السيارة من الجاراج ونزلت على الدواسات بقوة لأرطمها في أول حائط يعترضني ؟ هل سأجن لوفعلت ؟

لن آذي أحدا لو فعلت كل ذلك ,,لماذا إذن سأهتم 

بقيت في وضع جنيني على السرير هادئة ولم أفعل شيئا من ذلك

بقيت جميلة فوق السرير ,هادئة والعاصفة غير بعيدة 

الجُبن هو ما يمنع إمرأة من أن تجن , وليس التعقل

المرأة تجبن على أن تصبح قبيحة لو جُنت , تحافظ على أعصابها فقط كي لا تفقد جمالها، هكذا حذروها. 

كثرة البكاء تخلف هالات سوداء تحت العينين , لذلك تُنصح المرأة بعدم البكاء 

كثرة الحزن تخلف تجاعيد مبكرة على الوجه لذلك تُنصح المرأة بالتغلب على الحزن 

نوبات الهستيريا تتسبب في تساقط الشعر لذلك تنصح المرأة بالتحكم في أعصابها في كل الأحوال 

الأرق يؤثر على الدورة الشهرية ويفسد الهرمونات , انتبهي لهرومانتك سيدتي ولا تسهري إذا ما واجهتك المشاكلمن كل حدب وصوب

الجنون …أوف الجنون أسوأ عقاب ينزل بامرأة

أجلت جنوني اذن ,رغم همسه في أذني ,,خفت من الهالات السوداء تحت العينين والتجاعيد المبكرة وتساقط الشعروخفت على بويضاتي أشد الخوف 

ولعنتك في سري , يا من كان همس جنوني 

تمنيت لك هالات سوداء أسفل العينين وتجاعيد مبكرة وتساقطا في الشعر , وخسارة في البويضات ,,عفوا ليسلديك بويضات لتخسرها يا سيدي ,أتمنى لك شيئا مشابها اذن ينال من رجولتك بقدر نيله من انوثتي.

سيكون جميلا أن يجن الرجل 

او ليست الأشياء تقاس بالاضداد , ما دام الجنون غير جميل للمرأة فأكيد أنه سيكون جميلا للرجل.

رجل يقفز فوق سريره الى السقف وينزع ثيابه ويذهب للصالون ليشرب قهوة وسط أهله المصعوقين , رجل يقفز  فيالشارع ويركض خلف الاطفال وهو يردد خلفهم مجنون مجنون مجنون

همس الجنون 

أتمناه لك 

بكل الشر الشيطاني النسائي أقول لك ذلك سيدي الرجل وأنا أدعوك إلى أن تفكر في كل المرات التي جُنت فيهاإمرأة بسببك

نُشِرت في اشياء عربية | 4 تعليقات

مرسال المراسيل

كلما اكتمل الحضور غبت، لسبب أجهله، كُنتَ مكتملاً حتى في الغياب بعد حضورنا الشفيف مثل رقص روحين لا يلامسان الأرض.
عدتُ إلى رسائلك، هي اليوم الشاهد الوحيد على ما بيننا، على تلك الحرائق التي اندلعت ذات يوم بدواخلنا دون إذننا، عدتُ إلى رسائلك هي اليوم حاضرة وأنت غائب، ما زلت أحيا أنا المصابة بوجع الحياة، ما زلت أحيا لأَنِّي أرى كلماتك ترفرف في بالي.

تلك الرسائل التي تنام في أجهزتي “الذكية” والتي لم أمحها، تؤرخ لقصتنا كيف بدأت، في أي فصل، في أي ريح، تحت أي عاصفة، تؤرخ لعدد الخطوات التي قطعتَها وأنت تسير باتجاهي ذات شتاء.

كل شيء بدأ ذات شتاء قارس، كنت ألملم عاطفتي حتى لا تؤثر على عملي، أتحامل على نفسي حتى لا أنهار أمام جبل الحزن المخيم في ركن شقتي، مثل مشرد عجوز يرى كلبه يموت في زاوية الشارع ولا يقوى على إنقاذه.

أنا الخارجة من نيران الحروب الكثيرة التي خضتها، كنت في مدينتي القاسية الباردة رغم القيظ، الموغلة فيالأنانية والمادية والرأسمالية المتوحشة، أعود كل مساء إلى جدران شقتي، أدفن نفسي في نشرات الأخبار، أتناول عشائي بمفردي، السكون المخيم حولي يذكرني بأن غربتي أشد قسوة مما تتخيلت، حين لا ينتظرك أحد خلف الباب لتلقي بنفسك في أحضانه لحظة تدخل، لتلقي برأسك على كتفه، وتستنشق عرقه وتهمس له: كان يومي طويلاً، أنت هديتي آخر اليوم.

أدخل شقتي كل مساء، أخربش حيطان وحدتي بأظافري وأصرخ بداخلي كذئب جريح، أنهار وأقف فوراً وأعاود السير والصخرة ذاتها على ظهري.
أنت أتيت على نحو مفاجئ، سرتَ نحوي بإصرار، ثم سرتُ نحوك بدوري بخطى مطمئنة.

كان قلبي زهرة غريبة، جذورها تمتد دون إذني نحوك، تثابر في كل الفصول لتحيا رغم شُح المطر، ربما كنت أنت المطر وأنا لم أنتبه.
طرقك الخفيف على باب قلبي الذي كنت أتجاهله، تحول إلى إيقاع ينتصر على صوت الجنازات والحروب والمآسي.
أنتَ الذي وضعتُ راحة يدي بيده وهمست له: “عد بي إلى البيت، لقد أضعت طريق العودة منذ سنين”..أنت اليوم غائب بشدة وعلى نحو مخيف وجارح.
كيف نروض القلب على تحمل الغياب بعد تحمل ضجيج الحضور.

كان كل شيء يقودني إليك: الهروب، برودي، لامبالاتي. كنت وفية لعواء الذئب بداخلي، أهرب إلى داخلي كلما خطا أحدهم خطوة نحوي، أتسلق جدران روحي وأهرب بعيداً…لكن كل ما فعلته قادني إليك بشكل مفاجئ…طريقي الطويل التقيتك فيه، والحلم الذي رأيتك فيه في البداية كان صادقاً، سيري الطويل في الغابة حيث وجدتك…لا ذئاب خلفي.

في كل غياب، أنفخ من أنفاسي في الشغف حتى لا يفتر، كمن تحاول إنقاذ رضيعها من الموت، تبث أنفاسها في فمه وتفرك أطرافه حتى تدب فيها الحياة.
رسائلك التي تنام في “أجهزتي الذكية” تقويم خاص لما حدث بيننا، كيف كنّا وكيف أصبحنا.

روضت الشوق في كل غياب لك يطول أو يقصر، صرت أختفي خلف الابتسامات والمزاح، أختفي خلف الانكسار، حتى لا يكشفني.
في كل غياب لك، لا يقسو قلبي وهذه من المعجزات بل يسحب أريكة حمراء ويرسم ظلك وهو يسير معي، يستدعي دخان سيجارتك، ويعيد بثّ أنفاسك فوق وجهي.

الحب فكرة لا تتحمل التفسير، مهما أنكرته أنت وطردته أنا.
أضع هذه الجملة في رسالتي الأخيرة إليك. لا ساعي بريد يحملها حيث أنت.

نُشِرت في اشياء عربية | 5 تعليقات

Transit

ترانزيت
ستنطق بهذه الكلمة أكثرَ من مرة وأنت تعبر طريقك نحو أرضك قادماً إليها من بلد بعيد، ستعبر جبالاً وأنهاراً وسهولاً، ستقطع آلاف الأميال لتصل، لا شيئ يهزك كحنينٍ لوطنٍ يكبر فيك وأنتَ بعيد.
في الصباحات الباردة، في مدينتك الغربية، تحمل الوطن تحت معطفك الشتوي تعبر به الطريق بخطوات سريعة، تضع يديك الباردتين في جيوب بنطالك وتمشي به طويلاً طويلاً.

في كل ترانزيت تتعلم نعمة الانتظار، بالنهاية لا خيار لديك سوى أن تنتظر.
هويتك بين أيديهم يدققون فيها وفيك، بعد دقيقة أو ساعة أو عشر ساعات.
تفتش إلكترونياً وجسدياً ولن تحس بشيئ عدا لباس الفصول الذي يعتريك وأنت تراهم يفعلون.
الفجرُ صحا وصاحت كل الديكة والسنديانة تنفض نفسها وهي تغتسل بشعاع الشمس و أنت واقفٌ تنتظر.
رائحة خبز جدتك لن تشمها هذه المرة، كل الروائح مؤجلة إلى ترانزيت آخر.
دربك طويل يا ولدي، ستعود إلى مدينتك الباردة حاملاً معك غيوم الوطن والفجر الذي تركته يصحو وراءك.
شال جدتك الذي ينتظرك لن تلاعبه ككل مرة هو الآخر سينتظرك حتى تأتي في ترانزيت آخر.

Transit.
Will utter this word more than once, and you cross your way around your land are coming to it from a distant country, will cross mountains and rivers and plains, will cut thousands of miles to reach, nothing in you just the nostalgia to homeland grows in you and you’re away.
In the cold mornings, in the western city, carrying home under winter coat expresses its way at a rapid pace, put your hands in the pockets of your pants and walk him long long time.

Each transit learn blessing wait, eventually you have no choice but to wait.
Identity between their hands and checking where are you , after a minute or an hour or ten hours.
Inspected electronically and physically will not feel anything else than to dress chapters which covering you, you see them doing.
Dawn awoke and screamed all the cocks and the oak tree shaking herself and she wash , beam of the sun and you are standing waiting.
The smell of the bread of your grandmother will not smell it this time, all the smells deferred to another transit.
Long Green, and I have, your city will return to the cold clouds pregnant with you home and you left dawn wakes behind you.
Shawl grandmother, who awaits you would not manipulating the whole time he will be waiting until the other comes in transit else.

 

نُشِرت في اشياء عربية | تعليق واحد